خصوصية اللغة العربية:
اللغة- كما قال ابن جني ÙÙŠ خصائصه-: أصوات ÙŠÙعبر بها ÙƒÙÙ„ÙÙ‘ قوم٠عن أغراضهمâ€([1])ØŒ وهي (ÙÙعلةٌ) من (لغوت) أي تكلمت، أصلها (Ù„Ùغوة)ØŒ وقيل أصلها (Ù„Ùغَي) أو (Ù„Ùغوٌ)ØŒ والهاء عÙوض، وجمعها (Ù„Ùغىً)ØŒ ÙˆÙÙŠ المÙØكم: الجمع (لغات) Ùˆ(Ù„Ùغون)… والنسبة إليها (Ù„Ùغويّ)ØŒ ولا تقل: (لَغويٌ)…â€([2])
â€https://ruyaa.cc/Page/8581/
ولم يَرÙدْ Ù„Ùظ اللغة ÙÙŠ القرآن الكريم بهذا المعنى الاصطلاØÙŠ وإنما ورد بمعنى (اللغو)ØŒ وهو ما لا ÙŠÙعتد به من كلام٠وغيره، كما ورد بمعنى الإثم ÙÙŠ الØل٠والأيمان، أو هو ما لا ÙŠÙعقد عليه القلب، قال تعالى:†لا ÙŠÙؤاخÙØ°Ùكم الله٠باللَّغْو٠ÙÙŠ أَيمانكمâ€. أما اللÙظ المأثور المعتمد ÙÙŠ القرآن للغة Ùهو(اللسان)ØŒ قال تعالى:â€ÙˆÙ‡Ø°Ø§ لسان عربي مبينâ€ØŒ وقال:†لتكون من المنذرين بلسان عربي مبينâ€ØŒ وقال:†وهذا كتاب مصدÙّق لساناً عربياًâ€.
وقد أرجع بعض٠الباØثين سبب تسمية لغة القرآن باللسان العربي المبين إلى أن لغة القرآن الكريم ليست ÙÙŠ الواقع (لهجة) عربية واØدة- وإن غلبت عليها لهجة قريش- بل هي مجموعة اللهجات العربية التي استخدمت أداة التعري٠(أل) ÙÙŠ بداية الاسم، ومثلت طوراً متقدماً من أطوار التطور اللغوي من Øيث الÙصاØØ© والبيان، وهي الأØر٠السبعة التي نزل بها القرآن، وصارت- بعد تسيد لهجة قريش عليها- لغة عربية موØدة Ø£Ùطلق عليها Ùيما بعد: اللغة العربية الÙصØÙ‰.([3])â€
وقد أثرت خصوصية٠اللغة العربية روØياً وتركيبياً تأثيراً كبيراً ÙÙŠ خصوصية الثقاÙØ© العربية والأدب العربي؛ Ùقد كان استيعاب اللغة العربية للقرآن الكريم عاملاً روØياً بعيد الأثر ÙÙŠ صبغ الثقاÙØ© والØضارة العربية بصبغة دينية دنيوية منقطعة النظير، كما كانت خصائص اللغة العربية التركيبية عاملاً بعيد الأثر ÙÙŠ تÙرد الأدب العربي بجماليات يندر وجود مثيل لها ÙÙŠ آداب الأمم الأخرى Øتى كاد الأدب العربي أن ينÙرد بمنهج (التذوق) الذي يقوم أول ما يقوم على أساس من استعذاب الكلمة المÙردة والجملة المنسقة ومراعاة نظم الكلمات Ù„Ùظاً ومعنى.
واللغة ÙÙŠ الأمة أساس ÙˆØدتها ومرآة Øضارتها، هي الوعاء الذي يستوعب Ùكرها وثقاÙتها، وهي السلك الذي ينظم ما أنتجه شعبٌ من Ù†Ùائس وصور، وهي الجسر الذي تعبر عليه التجارب الإنسانية من جيل السل٠إلى جيل الخلÙØŒ وهي الصورة الثابتة لثروات الأمة الÙكرية والØضارية والدينية، وهي المقوم الصلب الذي لا تقوم Øضارة أمة أو ثقاÙØ© شعب دون أساس ثابت منه؛ Ùرقي لغة من اللغات هو عنوان رقي أصØابها، كما أن انØطاط لغة من اللغات هو عنوان انØطاط أصØابها أيضاً.([4])
ولا يصدق هذا الأمر على أمة صدقه على الأمة العربية؛ Ùاللغة العربية هي التي Øملت علم العرب الأول الذي لم يكن لهم علمٌ Ø£ØµØ Ù…Ù†Ù‡ØŒ وهو الشعر الذي Øوى Ù…Ùاخرهم وأخلاقهم، وسجل وقائعهم وأيامهم، وعبر عن آمالهم وآلامهم.
إلا أن هذه اللغة على ما كانت عليه من الاستواء والقوة لم تتجاوز شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولم تصل ÙÙŠ أغلب الأØيان إلا إلى أطرا٠تلك الجزيرة مع رØلات العرب التجارية ÙÙŠ الشتاء والصيÙØ› وعلى هذا Ùقد ظلت تلك اللغة ÙÙŠ العصر الجاهلي وما قبله Øبيسة الجزيرة العربية Ù…Øصورة Ùيها، وقد كان ذلك عاملاً من العوامل التي ساعدت على نضجها واكتمالها لسلامتها من الاختلاط بغيرها من اللغات التي تمتلك قوة Øضارية ضاربة، Ùكأن الله جل وعلا- لأمر٠سبق ÙÙŠ علمه- ØÙظها من تأثيرات اللغات الØضارية التي ربما كانت ستسلبها بعض خصوصيتها Ùتضع٠أو تذوي قبل أن يشتد عودها وتمتلك أسباب المقاومة بظهور الإسلام ونزول القرآن.
Ùلما جاء الإسلام وقدر الله للعرب أن يخرجوا من عزلتهم وجاهليتهم وأن يقرعوا باب التاريخ وأن يتسلموا مشعل الØضارة الإنسانية ØŒ خرجوا ÙŠØملون عقيدتهم ولغتهم التي اكتمل نموها وبلغت الغاية ÙÙŠ البيان. ÙˆÙÙŠ أقل من قرن من الزمان استطاعت هذه اللغة البدوية أن تواكب باكتمالها هذا مسيرة الØضارة التي خطا أهلها Ùيها خطوات واسعة، وأن تتصدى لكل التØديات التي جابهتها ÙÙŠ الأقطار المجاورة، وأن تدØر كل اللغات المØلية التي لا تقوى على مجابهتها والصمود لها، وأن تÙرض سيادتها على منطقة الشرق الأدنى والأوسط وأطراÙهما.([5])
واللغة العربية تتميز عن لغات الأرض قديمها ÙˆØديثها بميزتين أساسيتين هما: القÙدَمٌ والØÙظ؛ Ùليس ثمة لغة من اللغات الØالية هي أقدم من اللغة العربية بصورتها التي ÙˆÙلدت بها وثبتت عليها، وليس ثمة لغة من اللغات الØالية تكÙÙ„ الله بØÙظها Øين تكÙÙ„ بØÙظ كتابه الكريم الذي نزل بها سوى اللغة العربية، وليس ثمة لغة من اللغات الØالية يقرأ أبناؤها ما أنتجته Ù‚Ø±Ø§Ø¦Ø Ø£Ø³Ù„Ø§Ùهم- شعراً ونثراً- منذ ما يقارب الألÙÙŠ سنة أو يزيد؛ ÙÙŠÙهموه على وجهه الصØÙŠØ Ø³ÙˆÙ‰ اللغة العربية، ولو لم يكن لها من الÙضل سوى هاتين الميزتين لكÙاها ذلك Ùضلاً ورÙعة وشرÙاً على كل اللغات.
وقد كانت هاتان الميزتان داÙعاً قوياً لكثير من الباØثين لاعتبار اللغة العربية أصل اللغات كلها وأÙمَّاً لها، وأن اللغات جميعها قديمها ÙˆØديثها كانت بمثابة لهجات تÙرعت عن العربية كما تÙرعت الشعوب والقبائل عن أصل واØد. ونØÙ†- وإن لم نكن نؤمن بذلك إيماناً قاطعاً لصعوبة إثبات هذه الÙرضية الآن إثباتاً علمياً- إلا أننا لا Ù†ÙغÙÙ„ أهمية بعض الأدلة التي قدمها هؤلاء على صØØ© هذه الÙرضية وصوابها من خلال مقارنة كلمات الطبيعة والإنسانية البØتة ÙÙŠ اللغة الإنجليزية بما اعتبروه أصلاً عربياً لها، معتمدين ÙÙŠ ذلك على لغات قبائل العرب القديمة ولغة قريش. ([6])
وقد كان لنزول القرآن بلغة قريش Ùضل عظيم عليها مما عزز من سيادتها وثبت دعائمها وقوى سلطانها وزادها ضبطاً وإØكاماً؛ Ùغزرت مادتها واتسعت أغراضها وارتقت معانيها وأخيلتها وأساليبها، ووعت ما ÙÙŠ القرآن من Øكم وأØكام وتشريعات ونظم ومواعظ وأخبار، وصار القرآن ØاÙظاً لها من الضياع مما جعلها أهلاً لأن تØمل هذه الرسالة السامية إلى شتى بقاع العالم.([7])
ولو ÙÙرض أن القرآن الكريم نزل كغيره من الكتب المقدسة Ø£Øكاماً وأوامر ونواه٠ووعداً ووعيداً، ولم يتØر هذا الأسلوب الراقي والبيان المعجز والبلاغة الÙائقة لكان من الممكن أن تزول هذه اللغة بعد أن يضع٠العنصر الذي يتعصب لها على أنها لغته القومية، ÙˆÙÙŠ اللغة العبرية ما يؤكد هذا؛ Ùإنها- وهي لغة كتاب مقدس- صارت إلى ذمة التاريخ لأنها لم تكن تملك ÙÙŠ ذاتها قابلية للتطور من جهة، ولم يكن نسق التوراة التي نزلت بها كنسق القرآن الذي نزل بالعربية من جهة أخرى.([8])ØŒ وليست اللغة اللاتينية عنا ببعيدة؛ Ùقد كانت لغة Øضارة وسطوة وقوة Ùبقيت أثراً بعد عين. وذلك عكس العربية التي لم تكن لها هذه القوة وتلك المنعة، ولم تكن لغة Øضارة وصناعة، إنما كانت لغة صØراء وأمية بكل ما تÙرضه بيئة الصØراء من بساطة وضيق عيش وبÙعد٠عن العلوم والمعارÙØŒ ثم إن العرب قد تعرضوا للØروب والدمار كغيرهم ولكن ما زالت لغتهم قوية ساطعة تنبض بالØيوية والنشاط، وما ذلك إلا بÙضل القرآن الكريم الذي تكÙÙ„ الله بØÙظه ÙØÙظ به اللغة التي نزلت به، ولم يتكÙÙ„ بØÙظ غيره من الكتب المقدسة Ùبادت اللغة التي نزلت Ùيها واندثرت.(â€[9])
وعند البØØ« المقارن ÙÙŠ تاريخ اللغات العلمية سنجد أن العربية الÙصيØØ© كان لها أكبر نصيب عرÙته لغة ÙÙŠ سعة الانتشار ÙÙŠ العالم منذ Ùجر التاريخ Øتى عصر النهضة الأوروبية الØديثة؛ ÙÙÙŠ عصور ازدهار الØضارة الإسلامية ومنذ أن تألقت تلك الØضارة Ùغدت درة ÙÙŠ Ù…Ùرق الزمان؛ استوعبت تلك الØضارة ÙÙŠ هذه الÙترة كل ما سبقها من Øضارات
وعند البØØ« المقارن ÙÙŠ تاريخ اللغات العلمية سنجد أن العربية الÙصيØØ© كان لها أكبر نصيب عرÙته لغة ÙÙŠ سعة الانتشار ÙÙŠ العالم منذ Ùجر التاريخ Øتى عصر النهضة الأوروبية الØديثة؛ ÙÙÙŠ عصور ازدهار الØضارة الإسلامية ومنذ أن تألقت تلك الØضارة Ùغدت درة ÙÙŠ Ù…Ùرق الزمان؛ استوعبت تلك الØضارة ÙÙŠ هذه الÙترة كل ما سبقها من Øضارات؛ Ùانصهرت ÙÙŠ بوتقتها Øضارات الشرق كلها؛ كالØضارة الÙارسية والهندية والصينية، ÙˆØضارات الغرب كلها؛ كالØضارة اليونانية والبيزنطية والرومانية الغربية، وامتد مع هذا السلطان الØضاري السلطان اللغوي Ùسادت اللغة العربية أغلب بقاع العالم القديم وبرزت لغة عملاقة تضاءلت أمامها كل لغات الأمم خلال Ùترة لا تقل عن خمسة قرون، ÙˆÙÙŠ هذه الÙترة ترجمت إليها خلاصات الÙكر اليوناني والÙارسي والهندي Ùاستوعبتها جميعاً وأبرت بها.([10])
ولا يعود ذلك للÙرضية المشهورة عن تغلب لغة الغالب على لغة المغلوب؛ ولكنه يعود لخصوصية٠وقوة٠انÙردت بها هذه اللغة ÙÙŠ تاريخها وبنيتها وسعة Ù…Ùرداتها واشتقاقاتها عما سواها من لغات العالم. وقد كانت خصوصية هذه اللغة عاملاً مهماً ÙÙŠ خصوصية الØضارة والثقاÙØ© العربيتين Øيث صبغتهما بخصائصها وطبعتهما بطابعها وأمدتهما بمدد من روØها الØية المتجددة التي لم تق٠عاجزة ÙÙŠ مرØلة من مراØÙ„ تطورها عن مواكبتهما وإمدادهما بما ÙŠØتاجان من مصطلØات علمية ÙˆÙكرية شكلت بنية الثقاÙØ© العربية ÙˆØ±ÙˆØ Øضارتها.
وقد كان من الÙوائد التاريخية لهذه اللغة أنها لم تÙكتب أو تسجل؛ لأنها لغة٠أمة٠أمية لا تَقرأ ولا تَكتب ØŒ وقد يظن المتعجل أن ذلك عاملٌ سلبيٌ ÙÙŠ تاريخ اللغة، إلا أنه عند النظر المدقق سنجد أن عدم كتابة هذه اللغة ØÙظها من الضياع؛ Ùلو كتبت لما تغيرت أو تطورت، ولثبتت على نسق واØد، شأنها ÙÙŠ ذلك شأن لغات الØضارات القديمة التي ثبتت على نمط واØد دون تطوير؛ لأن أهلها كتبوا قواعدها وأصولها، ÙØ£ØµØ¨Ø Ù…Ù† الصعوبة بمكان أن تدخل هذه اللغات تØت سنة التطور والتدرج للأÙضل.([11])
أما العربية Ùلم تÙكتب وإنما التصقت بألسنة أهلها على مر الزمن وتتابعت التطورات Ùيها منذ يعرب بن Ù‚Øطان الذي ÙŠÙروى أنه صاØب التهذيب الأول Ùيها، مروراً بإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي أدخل التهذيب الثاني إليها، وانتهاءً بقريش التي أدخلت التهذيب الثالث تدريجياً بانتخابها أليق الأساليب من لغات قبائل العرب التي كانت تÙد عليهم كل عام Øتى باتت لغة قريش لغةَ الأدب والشعر والخطابة بين العرب، وأصبØت بلا منازع Ø£ÙØµØ ØªÙ„Ùƒ اللغات، ثم كان التهذيب الرابع الذي جرى على يد علماء البصرة والكوÙØ© ÙÙŠ العصرين الأموي والعباسي وما صاØب ذلك من وضع قواعد النØÙˆ والصر٠لضبط الاستخدام بقوانين تØتذي عند القياس وما شذ عن ذلك جعلوه سماعياً.([12])
وقد بلغت قريش بالتهذيب الثالث للغة ذروة البيان والÙصاØØ© ÙˆØ§Ù„ÙˆØ¶ÙˆØ ÙˆØ§Ù„Ø¨Ù„Ø§ØºØ© ØŒ ولم يعد بعد الذروة إلا الهبوط والانØطاط؛ Ùنزل القرآن الكريم ليØÙظها ويمنعها من تشعب اللهجات القاتل، واختلا٠مناØÙŠ الكلام كما نرى ÙÙŠ اللهجات العامية التي تباينت تبايناً شديداً- رغم أنها من أصل واØد- Øتى كادت أن تÙØ®ÙÙŠ هذا الأصل العربي الواØد، Ùكان القرآن بمثابة الكتابة التي ØÙرمت منها اللغة ÙÙŠ القديم لأنها لم تكن استوت بعد على سوقها، Ùلما استوت نزل القرآن بØÙظ هذا الاستواء وذلك الكمال.([13])
وقد شغلت خصائص هذه اللغة العبقرية الباØثين والعلماء عرباً وعجماً، قديماً ÙˆØديثاً Øتى Ø£Ùردوا ÙÙŠ خصائصها مؤلÙات يكاد يضيق عن Øصرها العد، وما ذاك إلا لأن خصائص هذه اللغة ÙÙŠ ذاتها تØمل من الأسرار التركيبية والصوتية ما يصعب على الباØثين إدراكه ÙˆØصره، Øتى قال بعض الÙقهاء: “كلام٠العرب لا ÙŠØيط٠به إلاّ نبيٌّâ€ØŒ ويَنسب٠السيوطي ÙÙŠ كتابه المزهر لابن Ùارس قوله Øول هذه العبارة:†وهذا كلام Øَريٌّ أن يكوَن صØÙŠØاً وما بَلَغَنا أن Ø£Øداً ممنْ مَضَى ادَّعى ØÙظَ اللغة كلّهاâ€.([14])
وهي بعد ذلك لغة توÙر لها من الدقة والمنطقية والبيان والمرونة والوÙاء بالمعاني ما لا يعر٠له نظير ÙÙŠ غيرها من اللغات. وقد أدرك هذه الØقيقة العلماء العرب واعتر٠بها المنصÙون من جهابذة الغرب، يقول الجاØظ: †ولابد من ذكر الدليل على أن العرب أنطق، وأن لغتها أوسع، وأن Ù„Ùظها أدل، وأن أقسام تألي٠كلامها أكثر، والأمثال التي ضربت Ùيها أجود وأسيرâ€.([15])ØŒ ويقول ÙÙŠ موضع آخر: “والبديع مقصور على العرب ومن أجله Ùاقت لغتهم كل لغة.†([16])ØŒ والجاØظ يشير هنا إلى عدد من خصائص العربية مثل: سعة الألÙاظ، ودقة الدلالة، وجودة الأمثال، والبديع.
ويقول ابن جني:â€.. إذا تأملت Øال هذه اللغة الشريÙØ© الكريمة اللطيÙØ© وجدت Ùيها من الØكمة والدقة والإرها٠والرقة ما يملك على جانب الÙكر Øتى يكاد ÙŠØ·Ù…Ø Ø¨Ù‡ أمام غلوة السØرâ€.([17])
ولم يكت٠العلماء القدامى بالكلام عن Ùضيلة العربية؛ بل تطرقوا إلى الØديث عن عدد من الخصائص التي تجعلها من Ø£Ùضل اللغات، وقد لخص بعض الباØثين بعضَ خصائص اللغة ÙÙŠ الخصائص التالية ([18]):
أولاً: سعة المدرج الصوتي:
Øيث تمتلك العربية أوسع مدرج صوتي عرÙته اللغات؛ Ùتتوزع مخارج الØرو٠بين الشÙتين إلى أقصى الØلق توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات، Ù…Ùارقةً ÙÙŠ ذلك لغيرها من اللغات التي تمتلك ØروÙاً أكثر من الØرو٠العربية إلا أن مخارجها Ù…Øصورة ÙÙŠ نطاق أضيق ومدرج أقصر.([19])
كما اختصت العربية ببعض الأصوات مثل: الهمزة، والØاء، والطاء، والضاد. وقد قال ابن Ùارس عن الهمزة:†والعرب تنÙرد بها ÙÙŠ عرض الكلام، مثل†قرأ “، ولا يكون ÙÙŠ شيء من اللغات إلا ابتداءً ([20])ØŒ وقال:†ومما اختÙصت به لغة العرب الØاء والطاء، وزعم قوم أن الضاد مقصورة على العرب دون سائر الأمم.†([21])ØŒ وقال الباقلاني عن هذه الخاصية:â€.. ولضيق ما سوى كلام العرب أو لخروجه عن الاعتدال يتكرر ÙÙŠ بعض الألسنة الØر٠الواØد ÙÙŠ الكلمة الواØدة والكلمات المختلÙØ© كثيراً، كتكرر الطاء والسين ÙÙŠ لسان يونان، وكنØÙˆ الØرو٠الكثيرة التي هي اسم لشيء واØد ÙÙŠ لسان التركâ€.([22])
وهذا ما يقرره علماء اللغة المعاصرون أيضًا إذ يذكرون أن العربية أكثر أخواتها اØتÙاظًا بالأصوات السامية؛ Ùقد اشتملت على جميع الأصوات التي اشتملت عليها أخواتها السامية، وزادت عليها بأصوات كثيرة لا وجود لها ÙÙŠ واØدة، منها: الثاء والذال والغين والضاد.([23])
ويراعي العرب ÙÙŠ اجتماع الØرو٠ÙÙŠ الكلمة الواØدة وتوزعها وترتيبها Ùيها Øدوث الانسجام الصوتي والتآل٠الموسيقي؛ Ùمثلاً: لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال، ولا تجتمع الجيم مع القا٠والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الØاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء، ولا النون قبل الراء، ولا اللام قبل الشين.
وللأصوات ÙÙŠ اللغة العربية وظيÙØ© بيانية وقيمة تعبيرية؛ Ùالغين مثلاً: تÙيد معنى الاستتار والغَيْبة والخÙاء كما نلاØظ ÙÙŠ: غاب، غار، غاص، غال، غام. والجيم: تÙيد معنى الجمع: جمع، جمل، جمد، جمر.. وهكذا… وليست هذه الوظيÙØ© إلا ÙÙŠ اللغة العربية.
ثانياً: التخÙÙŠÙ:
قال ابن Ùارس:†ومما اختÙصت بÙه٠لغة٠العرب قلبÙÙ‡ÙÙ… الØرو٠عن جهاتها ليكون الثاني أخÙÙŽÙ‘ من الأول، Ù†ØÙˆ قولهم: ميعاد ولم يقولوا: موعاد، وهما من الوعد، Ø¥Ùلا أن اللÙظ الثاني أخÙÙÙ‘ØŒ ومن Ø°ÙŽÙ„ÙÙƒÙŽ تركهم الجمعَ بَيْنَ السَّاكنَينÙØŒ وقد تجتمع ÙÙÙŠ لغة العجم ثلاث سواكن، ومنه قولهم: “يَا Øار†ميلاً Ø¥ÙÙ„ÙŽÙ‰ التخÙÙŠÙ.†([24])ØŒ ومن مظاهر التخÙي٠البارزة ÙÙŠ العربية غلبة الأصول الثلاثية عليها، وقد أشار إليها ابن جني Øين قال: “إن الأصول ثلاثة: ثلاثي ورباعي وخماسي؛ Ùأكثرها استعمالاً وأعدلها تركيباً الثلاثي، وذلك لأنه Øر٠يÙبتدؤ به ÙˆØر٠يÙØشى به ÙˆØر٠يوق٠عليه†ثم يقول مبيناً الØكمة من غلبة الثلاثي:†Ùتمكن الثلاثي إنما هو لقلة ØروÙÙ‡â€.([25])
وقد أشار بعض المعاصرين إلى أن غلبة الألÙاظ الثلاثية من خصائص العربية ولا تكاد لغة أخرى تشاركها ÙÙŠ هذه السمة الواضØØ©ØŒ وكان الأصل الثلاثي عمدة الاشتقاق الذي هو من أبرز خصائص العربيةâ€. ([26])
ثالثاً: سعة المÙردات:
![](https://ruyaa.cc/web/wp-content/uploads/2018/08/arab-300x143.jpg)
والعرب يعبرون عن الشيء الواØد بأسماء كثيرة، يقول ابن Ùارس:†ومما لا يمكن نقله البتة أوصا٠السي٠والأسد ÙˆØ§Ù„Ø±Ù…Ø ÙˆØºÙŠØ± ذلك من الأسماء المترادÙØ©ØŒ ومعرو٠أن العجم لا تعر٠للأسد أسماء غير واØد، Ùأما Ù†ØÙ† Ùنخرج له خمسين ومائة اسم.â€([27])ØŒ وقد ذكر ابن سيده أن الÙيروز آبادي كتب كتابًا ÙÙŠ أسماء العسل ذكر Ùيه أكثر من ثمانين اسماً، وقرر مع ذلك أنه لم يستوعبها جميعها، كما يرى أنه يوجد للسي٠أل٠اسم على الأقل.([28])
وهذا الذي ÙŠØµØ±Ø Ø¨Ù‡ ابن Ùارس والÙيروز آبادي يقرره علماء اللغة المعاصرون من الشرق والغرب؛ Ùقد ذكر الدكتور علي عبد الواØد واÙÙŠ أن الأستاذ دوهامر جمع المÙردات العربية المتصلة بالجَمَل وشؤونه Ùوصلت إلى أكثر من خمسة آلا٠وستمائة وأربع وأربعين Ù…Ùردة، كما يقرر أيضاً أن من أهم ما تمتاز به العربية أنها أوسع أخواتها السامية ثروة ÙÙŠ أصول الكلمات والمÙردات؛ Ùهي تشتمل على جميع الأصول التي تشتمل عليها أخواتها السامية أو على معظمها وتزيد عليها بأصول كثيرة اØتÙظت بها من اللسان السامي الأول، وأنه تجمع Ùيها من المÙردات ÙÙŠ مختل٠أنواع الكلمة اسمها ÙˆÙعلها ÙˆØرÙها، ومن المترادÙات ÙÙŠ الأسماء والصÙات والأÙعال ما لم يجتمع مثله للغة سامية أخرى، بل ما يندر وجود مثله ÙÙŠ لغة من لغات العالم. ([29])
رابعاً: الاشتقاق:
وإليه ترجع ÙˆÙرة المÙردات ÙÙŠ اللغة العربية، وهو خاصية إنتاج عدد كبير من الكلمات من جذر واØد؛ مثل اشتقاق كاتب ومكتوب ومكتب ومكتبة وكتاب ومكاتبة … إلخ من الجذر كتب. كما أن للمادة الواØدة ÙÙŠ اللغة مصدر للدلالة على المعنى مجرداً عن الزمن، وأÙعال بعضها يدل على المعنى مقترناً Øدوثه بالزمن الماضي، وبعضها يدل على المعنى مقترناً Øدوثه بالزمن الØاضر أو المستقبل، وبعضها يدل على المعنى مقترناً بالأمر بÙعله، كما أن للمادة أيضاً صيغة تدل على الشخص الذي Ùعل ذلك المعنى أو قام به، وتسمى الÙاعل، وصيغة أخرى تدل على المÙعول به، وثالثة تدل على زمانه ورابعة تدل على مكانه، وخامسة تدل على النسبة، وسادسة على التÙضيل، وسابعة على التعجب، وثامنة على التصغير، وهكذا.. وليس ÙÙŠ أي لغة من لغات العالم هذا الانطلاق اللغوي المترابط ÙÙŠ ميدان الاشتقاق اللÙظي، كما أن معظم مشتقاتها تقبل التصري٠إلا Ùيما ندر منها، مما يجعلها أكثر تلبية Ù„Øاجات المتكلمين من غيرها ([30]) ØŒ يقول جورج سارتون:†إن اللغة العربية من أجمل اللغات ÙÙŠ الوجود، إن خزائن المÙردات ÙÙŠ اللغة العربية غنية جداً ويمكن لتلك المÙردات أن تزاد بلا نهاية، ذلك لأن الاشتقاق المتشابك والأنيق ÙŠÙسَهÙّل إيجاد صيغ جديدة من الجذور القديمة بØسب ما ÙŠØتاج إليه كل إنسان على نظام معين. خذ الجذر: سلم (س Ù„ Ù…) سلم معناها نجا ÙˆØيا وألقى السلام أو التØية، (سالم) دخل ÙÙŠ السلم، (أسلم) انقاد وخضع، ومنها الإسلام والخضوع، (تسلم) أخذ شيئاً من يد غيره، (السلام) التØية، (السلم) خلا٠الØرب، (السليم) الصØÙŠØ ØºÙŠØ± المريض، (التسليم) الرضا والقبول، (الاستلام) لمس الØجر الأسود أي: التقبيل، وهناك مسلم ومسالم وغيرها.. مما ÙŠÙعيى Ø£Øياناً عن الØصر، ثم إن الاشتقاق يجري على نظام معين Øتى إن القارئ إذا مرت به صيغة جديدة Ùإنه ÙŠÙهم معناها من القرينةâ€.([31])
خامساً: الإعراب والتمييز بين المعاني بالØركات وغيرها:
ويرى ابن Ùارس أن من العلوم الجليلة التي اختصت بها العرب (الإعراب) الذي هو الÙارق بين المعاني المتكاÙئة ÙÙŠ اللÙظ.. ولولاه ما ميز Ùاعل من Ù…Ùعول، ولا مضا٠من منصوب، ولا تعجب من استÙهام، ولا صدر من مصدر، ولا نعت من توكيد.([32])
وقد أشار علماء اللغة المعاصرون إلى هذه الخاصية للغة العربية؛ Ùقال الدكتور علي عبد الواØد واÙÙŠ اعتمادًا على أقوال المستشرق رينان:†تمتاز اللغة العربية ÙÙŠ شؤون التنظيم بتلك القواعد الدقيقة التي اشتهرت باسم قواعد الإعراب والتي يتمثل معظمها ÙÙŠ أصوات مد قصيرة، تلØÙ‚ أواخر الكلمات لتدل على وظيÙØ© الكلمة ÙÙŠ العبارة وعلاقتها بما عداها من عناصر الجملة، وهذا النظام لا يوجد له نظير ÙÙŠ أية أخت من أخواتها السامية، اللهم إلا بعض آثار ضئيلة بدائية ÙÙŠ العبرية والآرامية والØبشيةâ€.([33])
سادساً: العروض:
وهو علم بأصول٠وقواعد يعر٠بها صØÙŠØ Ø£ÙˆØ²Ø§Ù† الشعر من Ùاسدها، قال ابن Ùارس:†ثم للعرب العروض الذي هو ميزان الشعر، وبه يعر٠صØÙŠØÙ‡ من سقيمهâ€([34]) ØŒ وأشار غير واØد من المستشرقين إلى اختصاص العربية بعلم العروض، يقول العلامة المستشرق الÙرنسي لويس ماسينيون ÙÙŠ بØØ« له بعنوان (مقام الثقاÙØ© العربية بالنسبة إلى المدينة العالمية):†وأما ÙÙŠ علوم اللغة Ùإن الÙكر السامي لم يصل إلى علم العروض إلا عند العربâ€.([35])
سابعاً: الإيجاز:
وهو خاصية بلاغية ولغوية واضØØ© ÙÙŠ العربية، ولأجله قالت العرب: (البلاغة الإيجاز)ØŒ وليس الإيجاز مقتصراً على علوم البلاغة ÙØسب؛ بل اللغة كلها لغة إيجاز، وكثيراً ما تسلك الأساليب العربية مسـلك الإيجاز ÙÙŠ صـياغتها للكلام ÙˆØروÙÙ‡ ومÙردات الجمل وتراكيبها، ويتجلى الإيجاز Ø¨ÙˆØ¶ÙˆØ ÙÙŠ مباØØ« لغوية مثل: النØت، والضمائر، والØذ٠اللغوي، والإدغام، والاستÙهام، والشرط، كما يتجلى ÙÙŠ مباØØ« بلاغية مثل: إيجاز القصر، وإيجاز الØذ٠بأنواعهما وأقسامهما المختلÙØ©. كما أن ÙÙŠ العربية أيضاً إيجاز يجعل الجملة قائمة على ØرÙØŒ مثل: (ÙÙ) من ÙˆÙÙŽÙ‰ ÙŠÙÙŠØŒ Ùˆ(عÙ) من وعى يعي، Ùˆ(Ù‚Ù) من وقى يقي، Ùكل هذه Øرو٠تشكل ÙÙŠ الØقيقة جملاً تامة لأنها Ø£Ùعال استتر Ùاعلها وجوباً.
ثامناً: صعوبة استيÙاء معانيها بالترجمة:
وهذه الخاصية متعلقة بخصائص اللغة العربية السابقة وغيرها عموماً؛ Ùلأن اللغة العربية تمتلك كل هذه الخصائص Ùإن الترجمة منها إلى غيرها ترجمة دقيقة معبرة عن ذات الصور والأخيلة والظلال تكاد تكون مستØيلة؛ لأن اللغات الأخرى لا تملك من الخصائص ما تملكه هذه اللغة وإنما ÙŠÙكتÙÙ‰ ÙÙŠ الترجمة إلى غيرها بترجمة Ù…Ùهوم النص أو معناه، ثم لا تسلم ترجمة المÙهوم أو المعنى من الصعوبة أيضاً، يقول السيوطي:†وقد قال بعض علمائنا.. وكذلك لا يقدر٠أØدٌ من التَّراجم على أن ينقلَه (يعني القرآن الكريم) إلى شيء من الألْسÙنة كما Ù†ÙÙ‚ÙÙ„ الإنجيل عن السريانية إلى الØبشية والرومية، وترجمت التوراة والزَّبور وسائر كتب الله عز وجل بالعربية؛ لأنَّ غيرَ العرب لم تتسع ÙÙŠ المجاز اتساعَ العرب، ألا ترى أنك لو أردتَ أن تنقلَ قوله تعالى:†وإما تَخَاÙÙŽÙ†ÙŽÙ‘ من قوم٠خيانةً ÙانبÙذْ إليهم على سواءÙ†لم تستطع أن تأتي لهذه بألÙاظ مؤدÙّية عن المعنى الذي أودÙعَتْه Øتى تبسط مجموعها وتصلَ مقطوعها وتÙظهرَ مَسْتÙورها Ùتقول: إن كان بينك وبين قوم Ù‡Ùدْنة وعَهْد ÙØ®ÙÙْت منهم خيانةً ونقضًا، Ùأعْلمهم أنك قد نقضتَ ما شرطته لهم، وآذنْهم بالØرب لتكونَ أنتَ وهم ÙÙŠ العلم بالنَّقْض على الاستواء، وكذلك قوله تعالى:†Ùَضَرَبْنَا على آذانهم ÙÙŠ الكَهْÙâ€. وقد تأتي الشعراء بالكلام الذي لو أراد مريد نَقْلَه لاعْتاصَ وما أمكن إلا بمبسوط من القول وكثير من اللÙظ، ولو أراد أن ÙŠÙعبÙّر عن قول امرئ القيس: (Ùدع عنك نَهْبًا صÙÙŠØÙŽ ÙÙŠ Øَجَراته) بالعربية Ùَضْلاً عن غيرÙها لطالَ عليه، وكذا قول القائل: والظنÙÙ‘ على الكاذب، ونÙجَارÙها نارها، وعَيَّ بالأسْنا٠… وهو كثير بمثله طالت لغة٠العرب دون اللغات، ولو أراد معبÙّرٌ بالأعجمية أن يعبر عن الغنيمة والإخْÙاق واليقين والشك والظاهر والباطن والØÙ‚ والباطل والمÙبين والمÙشْكل والاعتزاز والاستسلام لعيَّ به، والله تعالى أعلم Øيث يجعل الÙضلâ€.([36])
إن هذه الخصائص ÙÙŠ اللغة العربية- وغيرها كثير- تدÙع المتذوق إلى الدهشة من طبيعة هذه اللغة صوتاً وصورة ÙˆØركة وتركيباً، وتوقعه ÙÙŠ Øيرة شديدة Øين ينظر Ùيها متعمقاً ÙÙŠØس باكتمالها وجمالها وجلالها، ثم لا يستطيع أن يدرك سبباً لكل هذا الجمال والجلال والكمال سوى ما يشعر به منعكساً على صÙØØ© روØÙ‡ من سمو ونشوة وسعادة Øين يردد آية كريمة أو Øديثاً شريÙاً أو Ø´Ùعراً متقناً، ولا يدل هذا على شيء قدر دلالته على أن أهل هذه اللغة الأوائل كانوا أصØاب أذهان صاÙية ØÙرموا من الكتابة Ùاضطروا إلى الإبداع ÙÙŠ ألÙاظهم، وطي المعاني الكثيرة ÙÙŠ الكلمات القليلة، والاكتÙاء باللمØØ© الدالة والإشارة الموجزة والكناية الرائعة والتÙنن ÙÙŠ أساليب القول على وجوه شتى ومذاهب كثيرة. وقد تعجب أرنست رينان من أمر هذه اللغة قائلاً:†من أغرب ما وقع ÙÙŠ تاريخ البشر وصعب ØÙ„ سره انتشار اللغة العربية؛ Ùقد كانت هذه اللغة غير معروÙØ© بادئ بدء؛ Ùبدأت Ùجأة ÙÙŠ غاية الكمال، سلسة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بØيث لم يدخل عليها إلى يومنا هذا أي تعديل مهم، Ùليس لها Ø·Ùولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة مستØكمة، Ù…ÙÙ† أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصØارى عند أمّة من الرÙÙ‘ØÙ„ØŒ تلك اللغة التي Ùاقت أخواتها بكثرة Ù…Ùرداتها ودقة معانيها، ÙˆØسن نظام مبانيها، وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم عÙلمت ظهرت لنا ÙÙŠ Øلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغيير يذكر، Øتى إنه لم يعر٠لها ÙÙŠ كل أطوار Øياتها لا Ø·Ùولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا ÙتوØاتها وانتصاراتها التي لا تبارىâ€.([37])
أثر خصائص اللغة العربية ÙÙŠ الأدب:
وقد كان لكل خصيصة من هذه الخصائص أثر بارز ÙÙŠ الأدب العربي قديمه ÙˆØديثه؛ Øيث شكلت هذه الخصائص مجتمعةً مدداً (لغوياً وذوقياً) Ù…Øورياً ÙÙŠ مسيرة الأدب العربي، وطبعته بطابع متÙرد مستمد من طبيعة اللغة ذاتها Øتى لا نكاد نرى ميزة ÙÙŠ اللغة إلا ورأينا أثرها ÙÙŠ الأدب، بل إن خصائص اللغة العربية هي ذاتها خصائص الأدب العربي؛ Ùكأن الأدب Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù„ØºØ© واللغة جسد الأدب؛ Ùهما وجهان لعملة واØدة، وما يتص٠به Ø£Øدهما يتص٠به الآخر؛ Ùاتساع المدرج الصوتي مثلاً ÙŠÙ…Ù†Ø Ø§Ù„Ø£Ø¯Ø¨ والأديب قوة ÙÙŠ البيان ووضوØًا شديدًا ÙÙŠ السمع وجمالاً ÙÙŠ التعبير وانسجامًا ÙÙŠ التركيب، والتخÙÙŠÙ ÙŠÙ…Ù†Ø Ø§Ù„Ø£Ø¯Ø¨ السلاسة والسهولة واليسر، وسعة المÙردات والاشتقاق يمنØان الأدب مخزوناً هائلاً من الكلمات التي تÙØªØ Ø£Ø¨ÙˆØ§Ø¨ المعاني أمام الأديب ليؤسس عليها بناء النص الأدبي ويختار للمعنى ما يواÙقه من اللÙظ، كما ØªÙ…Ù†Ø Ù‡Ø°Ù‡ السعة ÙÙŠ الألÙاظ تعدداً ÙÙŠ المعاني؛ ÙاللÙظ المشتق ÙÙŠ ذاته يوØÙŠ بمعنى زائد عن معنى اللÙظ المشتق منه؛ Ùإذا اشتق من Ù„Ùظ واØد عشرة ألÙاظ Ùهي بالضرورة عشرة معان جديدة يربطها رابط واØد. والإعراب والتمييز بين المعاني بالØركات ÙŠØªÙŠØ Ù„Ù„Ø£Ø¯Ø¨ قدرة هائلة ÙÙŠ التعبير عن المعاني والتÙنن ÙÙŠ الأساليب، ويجعله أكثر مرونة وتصرÙًا ÙÙŠ بناء التراكيب، وليس أوÙÙ‚ للشعر الموزون- كما يقول العقاد-†من العبارات التي تنتظم Ùيها Øركات الإعراب وتتقابل Ùيها مقاطع العروض وأبواب الأوزان وعلامات الإعراب؛ Ùإن هذه الØركات والعلامات تجري مجرى الأصوات الموسيقية وتستقر ÙÙŠ مواضعها المقدورة على Øسب الØركة والسكون ÙÙŠ مقاييس النغم والإيقاع، ولها بعد ذلك مزية تجعلها قابلة للتقديم والتأخير ÙÙŠ كل وزن من أوزان البØور؛ لأن علامات الإعراب تدل على معناها كيÙما كان موقعها من الجملة المنظومة Ùلا يصعب على الشاعر أن يتصر٠بها دون أن يتغير معناها، إذ كان هذا المعنى موقوÙاً على Øركاتها المستقلة الملازمة لها، وليس هو بالموقو٠على رَصÙÙ‘ الكلمات كما ترص الجمادات، وإن هذه الموسيقية لتعلم النØاة Ø£Øياناً كي٠ينبغي أن ÙŠÙهموا الشعر ÙÙŠ هذه اللغة الشاعرة؛ لأن هذه المزية الشعرية ÙÙŠ قواعد إعرابها أسبق من المصطلØات التي يتقيد بها النØاة والصرÙيونâ€.([38])
![](https://ruyaa.cc/wp-content/uploads/2018/08/%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%AF-245x300.jpg)
وقد عد العقاد اللغةَ العربية كلها لغةً شاعرة وعنون كتاباً له باسم (اللغة الشاعرة) مردÙاً العنوان بقوله: (مزايا الÙÙ† والتعبير ÙÙŠ اللغة العربية)Ø› Ùجعل اللغة كلها Ùناً تعبيرياً جميلاً؛ لأن خصائصها خصائص Ùنية تعبيرية ÙÙŠ الأساس†ولا يكÙÙŠ أن يقال عنها إنها لغة شعر أو لغة شعرية، وجملة الÙرق بين الوصÙين أن اللغة الشاعرة تصنع مادة الشعر وتماثله ÙÙŠ قوامه وبنيانه إذ كان قوامها الوزن والØركة، وليس Ù„ÙÙ† العروض ولا للÙÙ† الموسيقي كله قوام غيرها.â€([39]). ثم ÙŠÙˆØ¶Ø Ù…Ùهوم اللغة الشاعرة بقوله:†اللغة التي بنيت على نسق الشعر ÙÙŠ أصوله الÙنية والموسيقية؛ Ùهي ÙÙŠ جملتها ÙÙ† منظوم منسق الأوزان والأصوات لا تنÙصل عن الشعر ÙÙŠ كلام تألÙت منه ولو لم يكن من كلام الشعراء. وهذه الخاصة ÙÙŠ اللغة العربية ظاهرة من تركيب ØروÙها على Øدة، إلى تركيب Ù…Ùرداتها على Øدة، إلى تركيب قواعدها وعباراتها، إلى تركيب أعاريضها وتÙعيلاتها ÙÙŠ بنية القصيدâ€. ([40])
Ùاللغة لغة شاعرة ÙÙŠ ØروÙها قبل أن تتأل٠منها كلمات وقبل أن تتأل٠من الكلمات تÙاعيل وقبل أن تتأل٠من التÙاعيل أبيات وبØور. وللØرو٠ÙÙŠ ذاتها معان تØدد معاني كلماتها، وللكلمات دلالات شعرية مجازية ودلالات علمية واقعية، ولا يصعب الجمع بين التعبير الواقعي العلمي والتعبير المجازي الشعري؛ Ùلا لبس بين قول القائل: (إنه يقيد شوارد الأÙكار)ØŒ وقول غيره: (إنه يقيد السجين أو الأسير)ØŒ ولا لبس بين القلب بما ÙŠØتويه من الØدس والشعور والعاطÙØ©ØŒ وبين القلب من قلب الشيء يقلبه إذا Ø£Ùريد به تغيير وضعه وموضوعه، وسليقة اللغة الشاعرة هي التي تجعل السامع العربي ÙŠÙهم المعنى المقصود الذي ÙŠØار ÙÙŠ Ùهمه أبناء اللغات المØرومة من هذه المزية. ([41])
وهذا الذي يقرره العقاد بØديثه عن شاعرية أجزاء الكلام العربي- ØرÙاً وكلمة وعبارة- وموسيقاها الداخلية، وظلالها وأخيلتها، ومعانيها المÙهومة من أصوات ØروÙها وألÙاظ كلماتها؛ هو ذاته الأساس الÙني الذي يقوم عليه المنهج العربي الأصيل ÙÙŠ تذوق الأدب شعراً ونثراً؛ Ùهو Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø£Ø¯Ø¨ كما أن الأدب Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù„ØºØ©ØŒ وقد اختاره الأصلاء والتأصيليون من نقاد وأدباء العرب قديماً ÙˆØديثاً وعدوا مواجهة الأدب بمنهج٠غيرÙÙ‡ عبثاً ÙˆÙساداً.
وهذا ما سنعرÙÙ‡ ÙÙŠ المقال القادم- إن شاء الله- Øين نتناول (منهج التذوق)ØŒ ذلك المنهج العربي الأصيل الذي يليق بخصائص هذه اللغة الشاعرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Ù€ الخصائص Ù€ أبو الÙØªØ Ø¹Ø«Ù…Ø§Ù† بن جني Ù€ تØقيق : Ù…Øمد علي النجار Ù€ المكتبة العلمية Ù€ القاهرة Ù€ 1952Ù… Ù€ ج 1Ù€ ص 33 .
[2]Ù€ لسان العرب ابن منظور Ù€ دار Ø¥Øياء التراث العربي Ù€ بيروت Ù€ ط٣ Ù€ مادة (لغا) ج 15 Ù€ ص 251Ù€ 252 .
[3] Ù€ أصالة اللسان العربي Ù€ د.جعÙر دك الباب Ù€ مجلة التراث العربي Ù€ اتØاد الكتاب العرب Ù€ دمشق Ù€ العدد العاشر Ù€ ربيع الثاني 1403 Ù€ كانون الثاني يناير 1983Ù… – السنة الثالثة .
[4]Ù€ دراسات ÙÙŠ اللغة والأدب والØضارة Ù€ Ù…Øمد الربداوي Ù€ القسم الأول Ù€ مؤسسة الرسالة Ù€ بيروت 1980Ù… Ù€ ص7Ù€8 .
[5]Ù€ دراسات ÙÙŠ اللغة والأدب والØضارة Ù€ Ù…Øمود الربداوي Ù€ ص 33 .
[6]Ù€ انظر بتوسع : اللغة العربية أصل اللغات كلها Ù€ عبد الرØمن Ø£Øمد البوريني Ù€ دار الØسن للنشر والتوزيع Ù€ عمان 1998Ù… Ù€ Ø·1 .
[7]Ù€ تاريخ الدعوة إلى العامية وأثارها ÙÙŠ مصر Ù€ Ù†Ùوسة زكريا Ù€ دار المعار٠ـ القاهرة Ù€ 1980Ù… Ù€ Ø·2 Ù€ ص 4.
[8]Ù€ أثر القرآن الكريم ÙÙŠ اللغة العربية Ù€ Ø£Øمد Øسن الباقوري Ù€ دار المعار٠ـ القاهرة 1996Ù… Ù€ ص 33 .
[9]Ù€ أثر القرآن الكريم ÙÙŠ اللغة العربية والتØديات المعاصرة Ù€ د.Ù…Øمد يوس٠الشربجي Ù€ مجلة التراث العربي- اتØاد الكتاب العرب- دمشق Ù€ ع 90 – السنة الثالثة والعشرون – Øزيران Ù€ يونيو 2003 Ù… .
10Ù€ دراسات ÙÙŠ اللغة والأدب والØضارة Ù€ Ù…Øمود الربداوي Ù€ ص 10 .
[11]Ù€ تاريخ آداب العرب Ù€ مصطÙÙ‰ صادق الراÙعي Ù€ مكتبة الإيمان Ø£ القاهرة Ù€1997Ù… Ù€ ج1Ù€ ص 76 .
[12]Ù€ خطبة ØÙني بك ناص٠ـ مجلة المنار Ù€ عدد أبريل 1908Ù… Ù€ ج11 Ù€ السنة الثانية Ù€ ص 123Ù€ 125 .
[13] Ù€ تاريخ آداب العربية Ù€ الراÙعي Ù€ ج1 Ù€ ص 80 Ù€ 83 .
14Ù€ المزهر ÙÙŠ علوم اللغة وأنواعها Ù€ السيوطي Ù€ مرجع سابق Ù€ ج1 Ù€ ص 52 .
[15]Ù€ البيان والتبيين- الجاØظ Ù€ ج1 Ù€ ص 384 .
[16]Ù€ Ù†Ùسه Ù€ ج4 Ù€ ص55 .
[17]ـ الخصائص- ابن جني ـ ج 1 ـ ص 47 .
18Ù€ خصائص العربية بين القديم والØديث Ù€ د . مصطÙÙ‰ Ø£Øمد عبد العليم Ù€ نسخة إليكترونية.
19Ù€ Ùقه اللغة وخصائص العربية Ù€ Ù…Øمد المبارك Ù€ دار الÙكر Ù€ بيروت 1995Ù… Ù€ Ø·6 Ù€ ص 17 .
20Ù€ الصاØبي ÙÙŠ Ùقه اللغة العربيةـ ابن Ùارس Ù€ تØقيق: السيد صقر Ù€ مطبعة الØلبي Ù€ القاهرة 1977Ù… Ù€ ص 123Ù€124 .
21Ù€ ـنÙسه Ù€ ص124 .
22Ù€ إعجاز القرآن Ù€ أبو بكر Ù…Øمد بن الطيب الباقلاني Ù€ دار المعار٠ـ القاهرة 1981Ù… Ù€ ص 78 .
23Ù€ Ùقه اللغة Ù€ علي عبد الواØد واÙÙŠ ـدار نهضة مصر Ù€ القاهرة 1997Ù… Ù€ ص 164 Ù€ 165 .
[24] Ù€ الصاØبي Ù€ ابن Ùارس Ù€ ص 20
25ـ الخصائص ـ ابن جني ـ ج1ـ 65.
26Ù€ خصائص العربية Ù€ Ù…Øمد المبارك Ù€ ص26
[27] Ù€ الصاØبي Ù€ ابن Ùارس Ù€ ص 12 .
[28] Ù€ المخصص ÙÙŠ اللغة Ù€ علي بن إسماعيل بن سيده Ù€ دار الÙكر Ù€ بيروت 1978Ù… Ù€ ج3 Ù€ ص9
[29] Ù€ Ùقه اللغة Ù€ علي عبد الواØد واÙÙŠ Ù€ ص 168Ù€169.
[30] Ù€ أجنØØ© المكر الثلاثة Ù€ عبد الرØمن Øبنكة الميداني Ù€ دار القلم Ù€ دمشق1986Ù… Ù€ Ø·5 Ù€ ص364Ù€366.
[31] Ù€ اللغة العربية بين Øماتها وخصومها Ù€ أنور الجندي Ù€ ص22 .
[32] Ù€ الصاØبي Ù€ ابن Ùارس Ù€ ص76 .
[33] Ù€ Ùقه اللغة Ù€ علي عبد الواØد واÙÙŠ Ù€ ص210 .
[34] Ù€ الصاØبي Ù€ ابن Ùارس Ù€ ص77 .
[35] Ù€ Ùقه اللغة Ù€ علي عبد الواØد واÙÙŠ Ù€ ص248 .
[36] ـ المزهر ـ السيوطي ـ ج1ـ ص64 .
1Ù€ اللغة العربية بين Øماتها وخصومها Ù€ أنور الجندي Ù€ مطبعة الرسالة Ù€ بيروت Ù€ ص 25 .
[38] ـ اللغة الشاعرة ـ العقاد ـ ص 26 ـ 27 .
[39] Ù€ Ù†Ùسه Ù€ ص 8 .
[40] Ù€ Ù†Ùسه Ù€ ص11 .
[41] Ù€ Ù†Ùسه Ù€ ص 15 Ù€ 21 .